مقدمة
لقد أيد الله عز وجل دينه بنوعية خاصة من الرجال، اصطفاهم المولى جل وعلا، واختارهم من بين خلقه لنيل شرف المهمة الجليلة، هؤلاء الرجال الأبطال تغلغل الإيمان فى قلوبهم، وارتقت نفوسهم إلى أعلى عليين من أجل نصرة الدين، فلم يبق لهم همة ولا هدف ولا غاية فى الحياة إلا لخدمة الإسلام ونشره بين الناس، أنهم رجال آثاروا مرضات الله عز وجل بدعوة الناس للإسلام على متاع الحياة الدنيا، فودعوا الراحة والدعة والسكون وهجروا الفراش والسلامة وتركوا الديار والأهل والأحباب، وصارت ظهور الخيل مساكنهم، وآلات الجهاد عيالهم، وإخوان الجهاد رفقاءهم، فلا عجب إذا أن تنتهى حياتهم فى أخر بقاع الدنيا، فهذا يموت فى بلاد الصين وهذا فى أدغال أفريقيا وذاك فى أحراش الهند، وكلهم راض بهذه الحياة وهذه النهاية، طالما توجت حياته بأسمى ما يريد : الشهادة فى سبيل الله، وهذه قصة واحد من أئمة هؤلاء الأبطال .
*عقبة بن نافع *
*هو عقبة بن نافع بن عبد القيس الفهرى، ولد قبل الهجرة بسنة، وكان أبوه قد أسلم قديماً، لذلك فقد ولد عقبة ونشأ فى بيئة اسلامية خالصة، وهو صحابى بالمولد، لأنه ولد على عهد النبى صلى الله عليه وسلم وهو يمت بصلة قرابة للصحابى الجليل 'عمرو بن العاص' من ناحية الأم، وقيل أنهما ابنى خالة .
*ولقد برز اسم 'عقبة بن نافع' مبكراً على ساحة أحداث حركة الفتح الإسلامى التى بدأت تتسع بقوة فى عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه، حيث اشترك هو وأبوه 'نافع' فى الجيش الذى توجه لفتح مصر بقيادة 'عمرو بن العاص' رضى الله عنه، ولقد توسم فيه 'عمرو' أنه سيكون له شأن كبير ودور فى حركة الفتح الإسلامى على الجبهة الغربية، لذلك أسند إليه مهمة صعبة وهى قيادة دورية استطلاعية لدراسة إمكانية فتح الشمال الأفريقى، ومعلوم عند العسكريين أن سلاح الاستطلاع هو أخطر وأهم سلاح فى أى جيش، لأنه هو الذى يحدد طريقة الهجوم بين الشجاعة والقوة والذكاء الشديد وحسن التصرف فى المواقف الصعبة، وكلها خصال توفرت فى 'عقبة' وأدركها 'عمرو' فيه، لذلك عندما عاد 'عمرو' إلى مصر بعد فتح تونس، جعل 'عقبة بن نافع' والياً عليها على الرغم من وجود العديد من القادة الأكفاء والصحابة الكبار، مما يدل على نجابة هذا البطل الشاب .
*أرسل 'عمرو بن العاص' والى مصر البطل الشاب 'عقبة بن نافع' إلى بلاد النوبة لفتحها، فلاقى هناك مقاومة شرسة من النوبيين، ولكنه مهد السبيل أمام من جاء بعده لفتح البلاد، ثم أسند إليه
'عمرو' مهمة فى غاية الخطورة، وهى تأمين الحدود الغربية والجنوبية لمصر ضد هجمات الروم وحلفائهم البربر، فقاد 'عقبة' كتيبة قتالية على أعلى مستوى قتالى للتصدى لأى هجوم مباغت على المسلمين وتعاقبت عدة ولاة على مصر بعد 'عمرو بن العاص' منهم عبد الله بن أبى السرح ومحمد بن أبى بكر ومعاوية بن حديج وغيرهم، كلهم أقر 'عقبة بن نافع' فى منصبه كقائد لحامية 'برقة' .
عقبة قائد الفتح الشمالى
*ظل 'عقبة' فى منصبه الخطير كقائد للحامية الإسلامية 'ببرقة' خلال عهدى عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهما، ونأى بنفسه عن أحداث الفتنة التى وقعت بين المسلمين، وجعل شغله الشاغل الجهاد فى سبيل الله ونشر الإسلام بين قبائل البربر ورد عادية الروم، فلما استقرت الأمور وأصبح معاوية رضى الله عنه خليفة للمسلمين، أصبح 'معاوية بن حديج' والياً على مصر، وكان أول قرار أخذه هو إرسال عقبة بن نافع إلى الشمال الأفريقى لبداية حملة جهادية قوية وجديدة لمواصلة الفتح الإسلامى الذى توقفت حركته أثناء الفتنة وذلك سنة 49 هجرية .
*كانت هناك عدة بلاد قد خلعت طاعة المسلمين بعد إشتعال الفتنة بين المسلمين، منها 'ودان' و'أفريقية' و'جرمة' و'قصور خاوار'، فانطلق الأسد العنيف عقبة ورجالة الأشداء على هذه القرى الغادر أهلها وأدبهم أشد تأديب، فقطع أذن ملك 'ودان' وأصبع ملك 'قصور كوار' حتى لا تسول لهم أنفسهم محاربة المسلمين مرة أخرى [مع العلم أن هذا الأمر لا يجوز شرعاً لأنه مثاه ولكن عقبة اجتهد فى تأديبهم بما يردعهم عن المعاودة للخلاف] .
*بعد أن طهر عقبة المنطقة الممتدة من حدود مصر الغربية إلى بلاد أفريقية 'تونس' من الأعداء والمخالفين، أقدم عقبة على التغلغل فى الصحراء بقوات قليلة وخفيفة لشن حرب عصابات خاطفة فى أرض الصحراء الواسعة ضد القوات الرومية النظامية الكبيرة التى لا تستطيع مجاراة المسلمين فى حرب الصاعقة الصحراوية، واستطاع عقبة وجنوده أن يطهروا منطقة الشمال الأفريقى من الحاميات الرومية المختلفة ومن جيوب المقاومة البربرية المتناثرة .
تأسيس مدينة القيروان
*لم يكن عقبة بن نافع قائداً عسكرياً محضاً فقط، بل كان صاحب عقلية مبدعة وفكر استراتيجى فذ وهو يصح أن يطلق عليه خبير بشئون المغرب والشمال الأفريقى، ومن خلال حملاته الجهادية المستمرة على الشمال الأفريقى، أدرك أهمية بناء مدينة إسلامية فى هذه البقاع وذلك لعدة أسباب من أهمها :-
1. تثبيت أقدام المسلمين والدعوة الإسلامية هناك وذلك أن عقبة قد لاحظ أمراً هاماً أن أهل الشمال الأفريقى إذا جاءهم المسلمون يظهرون الإسلام وإذا انصرفوا عنهم رجعوا مرة أخرى إلى الكفر، فكان بناء مدينة إسلامية خير علاج لهذه الظاهرة الناجمة عن غياب قاعدة إسلامية ثابتة للإسلام لنشر الهدى والنور وسط ظلمات البربر .
2. ضرورة تكوين قاعدة حربية ثابتة فى مواجهة التهديدات الرومية المتوقعة بعد فتح الشمال الأفريقى .
3. أن تكون هذه المدينة دار عزة ومنعة للمسلمين الفاتحين، ذلك لأنهم تفرقوا فى البلاد كحاميات على المدن المفتوحة، وهذا التفرق قد يورث الضعف والوهن مع مرور الوقت خاصة لو دهم عدو كبير العدد هذه البلاد.
** لهذه الأسباب وغيرها قرر 'عقبة بن نافع' بناء مدينة القيروان فى القرن الشمالى الإفريقية فى مكان تتوافر فيه شروط الأمن الدعوى والحركى للمسلمين بحيث تكون دار عزة ومنعة وقاعدة حربية أمامية فى القتال ومنارة دعوية علمية لنشر الإسلام، وانطبقت كل الشروط المطلوب توافرها فى منطقة أحراش مليئة بالوحوش والحيات، فقال له رجاله [إنك أمرتنا بالبناء فى شعاب وغياض لا ترام، ونحن نخاف من السباع والحيات وغير ذلك من دواب الأرض]، وكان فى عسكره خمسة عشر رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم وقال إنى داع فأمنوا، وبالفعل دعا الله عز وجل طويلاً والصحابة والناس يأمنون،، ثم قال عقبة مخاطباً سكان الوادى [أيتها الحيات والسباع، نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتحلوا عنا فإنا نازلون، ومن وجدناه بعد ذلك قتلناه] فحدثت بعدها كرامة هائلة حيث خرجت السباع من الأحراش تحمل أشبالها والذئب يحمل جروه، والحيات تحمل أولادها، فى مشهد لا يرى مثله فى التاريخ فنادى عقبة فى الناس [كفوا عنهم حتى يرتحلوا عنا] وهكذا يصل الإيمان والثقة بالله عز وجل لهذا المستوى الفائق من اليقين بنصرة الله عز وجل وتأييده ومدده، فهذا هو البطل المجاهد يصل به الإيمان والكرامة لئن يتكلم مع الحيوانات البهائم التى لا تعقل ولا تفهم، فيطيعونه ويسمعون أوامره، وهكذا يصبح الكون كله ومن فيه مسخراً لخدمة المجاهدين وغايتهم السامية.
*استمر بناء مدينة القيروان قرابة الخمس سنوات، حتى أصبحت القيروان درة المغرب وشيد 'عقبة' بها جامعاً كبيراً أصبح منارة العلم وقبلة طلاب العلم والشريعة من كل مكان، وملتقى للدعاة والعلماء والمجاهدين، وأصبح جامع القيروان أول جامعة إسلامية على مستوى العالم وذلك قبل الأزهر بعدة قرون
المجاهد المخلص
*بعدما إنتهى عقبة بن نافع من بناء القيروان ومسجدها الجامع، جاءه الأمر الخليفى بالتنحى عن ولاية إفريقية، وتولية رجل من جنود عقبة اسمه 'أبو المهاجر دينار' وهو رجل مشهور بالكفاءة وحسن القيادة، فما كان رد فعل القائد المظفر الذى فتح معظم الشمال الأفريقى وحقق بطولات فائقة عندما جاءه خبر العزل ؟ هل تمرد ؟ هل امتنع أو حتى تذمر ؟ كلا والله إنهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فلا المناصب تبهرهم ولا الدنيا تفتنهم ولا الأحقاد تعرف إلى قلوبهم طريقاً، إنهم خالصين مخلصين لا يريدون إلا وجه الله عز وجل، امتثل عقبة فوراً للأمر وانتظم فى سلك الجندية .
*استطاع أبو المهاجر القائد الجديد أن يحقق عدة مكاسب إستراتيجية فى الشمال الأفريقى على حساب التواجد الرومى بهذه المناطق، واستطاع أيضاً ا، يستميل زعيم قبائل البربر 'كسيلة بن لمزم' وكان كسيلة شديد التـثير على قومة، قوى الشخصية،محبوباً فى قومه، مطاعاً منهم، وكان نصرانياً متمسكاً بدينه وكان نجاح أبى المهاجر فى إقناعه بالإسلام مكسباً كبيراً للإسلام والمسلمين، ولكن القائد المحنك عقبة صاحب النظرة الثاقبة الخبيرة بطبائع البربر، لم يطمئن لإسلام 'كسيلة' خاصة وأنه قد أسلم بعد وقوعه فى أسر المسلمين وبعدما ذاق حر سيوفهم، وقد صدق هذا الحدس فيما بعد كما سنعلم .
عودة الأسد
*لم يمض كثيراً من الوقت حتى عاد الأسد الضارى عقبة بن نافع إلى قيادة الجهاد ببلاد المغرب وانتقل أبو المهاجر فى صفوف الجنود مجاهداً مخلصاً، وهكذا نرى خير الأمة ينتقل الواحد منهم من الرئاسة إلى عامة الجند بمنتهى اليسر والسهولة، بلا مشاكل أو اعتراض، وبلا أحقاد وأضغان، وذلك لأن الكل يبتغى مرضات الله ولا يريد شيئاً من عرض الدنيا الزائل .
*قرر عقبة بن نافع استئناف مسيرة الفتح الإسلامى من حيث انتهى أبو المهاجر، وكانت مدينة 'طنجة' هى أخر محطات الفتح أيام أبى المهاجر، وهنا أشار أبو المهاجر على عقبة ألا يدخل مدينة طنجة لأن 'كسيلة' زعيم البربر قد أسلم/ ولكن عقبة كان يشك فى نوايا وصحة إسلام كسيلة، فقرر الانطلاق لمواصلة الجهاد مروراً بطنجة وما حولها، خاصة وأن للروم حاميات كثيرة فى المغرب الأوسط .
الإعصار المدمر
*انطلق عقبة وجنوده من مدينة القيروان، لا يقف لهم أحدن ولا يدافعهم أى جيش، فالجميع يفرون من أمامهم، وكلما اجتمع العدو فى مكان، انقض عقبة ورجاله عليهم كالصاعقة المحرقة ففتح مدينة 'باغاية' ثم نزل على مدينة 'تلمسان' وهى من أكبر المدن فى المغرب الأوسط وبها جيش ضخم من الروم وكفار البربر، وهناك دارت معركة شديدة استبسل فيها الروم والبربر فى القتال وكان يوماً عصيباً على المسلمين، حتى أنزل الله عز وجل نصره على المؤمنين، واضطر الأعداء للتراجع حتى منطقة مزاب
*سأل عقبة عن أعظم مدينة فى الزاب فقيل له 'أربة' وهى دار ملكهم وكان حولها ثلاثمائة وستون قرية عامرة، ففتحها عقبة، والروم يفرون من أمامه كالفئران المذعورة، ورحل عقبة بعدها إلى مدينة 'ثاهرت' فأرسلت الحامية الرومية استغاثة لقبائل البربر الوثنية فانضموا إليهم فقام عقبة فى جيشه خطيباً بارعاً بعبارات فائقة تلخص رسالة المجاهد فى سبيل الله فقال [أيها الناس إن أشرفكم وخياركم الذين رضى الله تعالى عنهم وأنزل فيهم كتابه، بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان على قتال من كفر بالله إلى يوم القيامة، وهم أشرفكم والسابقون منكم إلى البيعة، باعوا أنفسهم من رب العالمين بجنته بيعة رابحة، وأنتم اليوم فى دار غربة وإنما بايعتم رب العالمين، وقد نظر إليكم فى مكانكم هذا، ولم تبلغوا هذه البلاد إلا طلباً لرضاة وإعزازاً لدينه، فأبشروا فكلما كثر العدو كان أخزى لهم وأذل إن شاء الله تعالى، وربكم لا يسلمكم فالقوهم بقلوب صادقة، فإن الله عز وجل قد جعل بأسه على القوم المجرمين ] وبهذه الكلمات الموجزة استثار عقبة حمية رجاله، وأعطى درساً بليغاً للأجيال من بعده عن حقيقة دعوة المجاهد .
*التقى المسلمون بأعدائهم وقاتلوهم قتالاً شديداً وكانت نتيجته معروفة بعدما وصلت معنويات المسلمين لقمم الجبال، وانتصر المسلمون كما هى عادتهم، وسار عقبة حتى نزل على 'طنجة' فلقيه أحد قادة الروم واسمه 'جوليان' فخضع لعقبة ودخل له الجزية، فسأله عقبة عن مسألة فتح الأندلس فقال له 'جوليان' أتترك كفار البربر خلفك وترمى بنفسك فى بحبوحة الهلاك مع الفرنج ؟ فقال عقبة وأين كفار البربر ؟ فقال فى بلاد السوس وهم أهل نجدة وبأس فقال عقبة وما دينهم ؟ قال ليس لهم دين فهم على المجوسية .
فتوجه إليهم عقبة كالإعصار الكاسح الذى يدمر كل شىء بإذن الله واخترق هذه البلاد كلها هازماً لكل قبائل البربر حتى وصل بخيله إلى المحيط الأطلنطى فخترق عقبة بفرسه ماء المحيط ثم قال بقلب المؤمن الصادق الغيور الذى بذل واستفرغ كل جهده وحياته لخدمة الإسلام [يا رب لولا هذا البحر لمضيت فى البلاد مجاهداً فى سبيلك، اللهم اشهد إنى قد بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت فى البلاد أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد أحد دونك ]
** وبهذه النفوس الصادقة والقلوب المؤمنة والعزائم الفائقة انتشر الإسلام فى ربوع الأرض
استشهاد البطل
حقق عقبة غايته من حركة الفتح الإسلامى بالشمال الإفريقى، فلقد أخضع قبائل البربر وأوقع بها بأساً شديداً حتى وصل إلى أقصى بلاد المغرب واقتحم المحيط بفرسه، وبعدها قرر عقبة العودة إلى القيروان فلما وصل إلى طنجة أذن لمن معه من الصحابة أن يتفرقوا ويقدموا القيروان أفواجاً ثقة منه بما نال من عدوه، ومال عقبة مع ثلاثمائة من أصحابه إلى مدينة 'تهوذة' فلما رأه الروم فى قلة من أصحابه طمعوا فيه، وأغلقوا باب الصحن وشتموه وهو يدعوهم إلى الإسلامن وعندها أظهر 'كسيلة' مكنون صدره الذى كان منطوياً على الكفر والغدر والحسد، واستغل قلة جند عقبة واتفق مع الروم على الغدر بعقبة وأرسل إلى إخوانه البربر الوثنيين وجمع جموعاً كثيرة للهجوم على عقبة ومن معه
*كان أبو المهاجر فى ركب عقبة ولكن عقبة قد غضب منه فقيدة، فلما رأى أبو مهاجر هجوم كسيلة
ومن معه أنشد أبيات أبى محجن الثقفى المشهورة
كفى حزناً أن ترتدى الخيل بالقنا **** وأترك مشدوداً على وثاقيا
إذا قمت عنانى الحديد وأغلقن ****** مصارع دونى قد تصم المناديا
ففك عقبة وثاقة وقال له [الحق بالقيروان وقم بأمر المسلمين وأنا أغتنم الشهادةي فقال أبو المهاجر [وأنا أيضا أريد الشهادة] وكسر عقبة والمسلمين أجفان سيوفهم واقتتلوا مع البربر حتى استشهد عقبة وكل من معه فى أرض الزاب بتهوذة وذلك سنة 63 هجرية .
*كان عقبة بن نافع رضى الله عنه مثالاً فى العبادة والأخلاق والورع والشجاعة والحزم والعقلية العسكرية ارستراتيجية الفذة، والقدرة الفائقة على القيادة بورع وإيمان وتقوى وتوكل تام على الله عز وجل فأحبه رجاله وأحبه أمراء المؤمنين، وكان مستجاب الدعوة، ميمون النقيبة، مظفر الراية، فلم يهزم فى معركة قط، طبق فى حروبه أحدث الأساليب العسكرية والجديدة فى تكتيكات القتال مثل مبدأ المباغتة وتحشيد القوات وإقامة الحاميات وتأمين خطوط المواصلات واستخدام سلاح الاستطلاع، ونستطيع أن نقول بمنتهى الحيادية أن البطل عقبة بن نافع قد حقق أعمالاً عسكرية باهرة بلغت حد الروعة والكمال وأنجز فى وقت قليل ما لا يصدقه عقل عند دراسته من الناحية العسكرية البحتة، وترك باستشهاده أثراً كبيراً فى نفوس البربر وأصبح من يومها يلقب بسيدى عقبة .
لقد أيد الله عز وجل دينه بنوعية خاصة من الرجال، اصطفاهم المولى جل وعلا، واختارهم من بين خلقه لنيل شرف المهمة الجليلة، هؤلاء الرجال الأبطال تغلغل الإيمان فى قلوبهم، وارتقت نفوسهم إلى أعلى عليين من أجل نصرة الدين، فلم يبق لهم همة ولا هدف ولا غاية فى الحياة إلا لخدمة الإسلام ونشره بين الناس، أنهم رجال آثاروا مرضات الله عز وجل بدعوة الناس للإسلام على متاع الحياة الدنيا، فودعوا الراحة والدعة والسكون وهجروا الفراش والسلامة وتركوا الديار والأهل والأحباب، وصارت ظهور الخيل مساكنهم، وآلات الجهاد عيالهم، وإخوان الجهاد رفقاءهم، فلا عجب إذا أن تنتهى حياتهم فى أخر بقاع الدنيا، فهذا يموت فى بلاد الصين وهذا فى أدغال أفريقيا وذاك فى أحراش الهند، وكلهم راض بهذه الحياة وهذه النهاية، طالما توجت حياته بأسمى ما يريد : الشهادة فى سبيل الله، وهذه قصة واحد من أئمة هؤلاء الأبطال .
*عقبة بن نافع *
*هو عقبة بن نافع بن عبد القيس الفهرى، ولد قبل الهجرة بسنة، وكان أبوه قد أسلم قديماً، لذلك فقد ولد عقبة ونشأ فى بيئة اسلامية خالصة، وهو صحابى بالمولد، لأنه ولد على عهد النبى صلى الله عليه وسلم وهو يمت بصلة قرابة للصحابى الجليل 'عمرو بن العاص' من ناحية الأم، وقيل أنهما ابنى خالة .
*ولقد برز اسم 'عقبة بن نافع' مبكراً على ساحة أحداث حركة الفتح الإسلامى التى بدأت تتسع بقوة فى عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه، حيث اشترك هو وأبوه 'نافع' فى الجيش الذى توجه لفتح مصر بقيادة 'عمرو بن العاص' رضى الله عنه، ولقد توسم فيه 'عمرو' أنه سيكون له شأن كبير ودور فى حركة الفتح الإسلامى على الجبهة الغربية، لذلك أسند إليه مهمة صعبة وهى قيادة دورية استطلاعية لدراسة إمكانية فتح الشمال الأفريقى، ومعلوم عند العسكريين أن سلاح الاستطلاع هو أخطر وأهم سلاح فى أى جيش، لأنه هو الذى يحدد طريقة الهجوم بين الشجاعة والقوة والذكاء الشديد وحسن التصرف فى المواقف الصعبة، وكلها خصال توفرت فى 'عقبة' وأدركها 'عمرو' فيه، لذلك عندما عاد 'عمرو' إلى مصر بعد فتح تونس، جعل 'عقبة بن نافع' والياً عليها على الرغم من وجود العديد من القادة الأكفاء والصحابة الكبار، مما يدل على نجابة هذا البطل الشاب .
*أرسل 'عمرو بن العاص' والى مصر البطل الشاب 'عقبة بن نافع' إلى بلاد النوبة لفتحها، فلاقى هناك مقاومة شرسة من النوبيين، ولكنه مهد السبيل أمام من جاء بعده لفتح البلاد، ثم أسند إليه
'عمرو' مهمة فى غاية الخطورة، وهى تأمين الحدود الغربية والجنوبية لمصر ضد هجمات الروم وحلفائهم البربر، فقاد 'عقبة' كتيبة قتالية على أعلى مستوى قتالى للتصدى لأى هجوم مباغت على المسلمين وتعاقبت عدة ولاة على مصر بعد 'عمرو بن العاص' منهم عبد الله بن أبى السرح ومحمد بن أبى بكر ومعاوية بن حديج وغيرهم، كلهم أقر 'عقبة بن نافع' فى منصبه كقائد لحامية 'برقة' .
عقبة قائد الفتح الشمالى
*ظل 'عقبة' فى منصبه الخطير كقائد للحامية الإسلامية 'ببرقة' خلال عهدى عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهما، ونأى بنفسه عن أحداث الفتنة التى وقعت بين المسلمين، وجعل شغله الشاغل الجهاد فى سبيل الله ونشر الإسلام بين قبائل البربر ورد عادية الروم، فلما استقرت الأمور وأصبح معاوية رضى الله عنه خليفة للمسلمين، أصبح 'معاوية بن حديج' والياً على مصر، وكان أول قرار أخذه هو إرسال عقبة بن نافع إلى الشمال الأفريقى لبداية حملة جهادية قوية وجديدة لمواصلة الفتح الإسلامى الذى توقفت حركته أثناء الفتنة وذلك سنة 49 هجرية .
*كانت هناك عدة بلاد قد خلعت طاعة المسلمين بعد إشتعال الفتنة بين المسلمين، منها 'ودان' و'أفريقية' و'جرمة' و'قصور خاوار'، فانطلق الأسد العنيف عقبة ورجالة الأشداء على هذه القرى الغادر أهلها وأدبهم أشد تأديب، فقطع أذن ملك 'ودان' وأصبع ملك 'قصور كوار' حتى لا تسول لهم أنفسهم محاربة المسلمين مرة أخرى [مع العلم أن هذا الأمر لا يجوز شرعاً لأنه مثاه ولكن عقبة اجتهد فى تأديبهم بما يردعهم عن المعاودة للخلاف] .
*بعد أن طهر عقبة المنطقة الممتدة من حدود مصر الغربية إلى بلاد أفريقية 'تونس' من الأعداء والمخالفين، أقدم عقبة على التغلغل فى الصحراء بقوات قليلة وخفيفة لشن حرب عصابات خاطفة فى أرض الصحراء الواسعة ضد القوات الرومية النظامية الكبيرة التى لا تستطيع مجاراة المسلمين فى حرب الصاعقة الصحراوية، واستطاع عقبة وجنوده أن يطهروا منطقة الشمال الأفريقى من الحاميات الرومية المختلفة ومن جيوب المقاومة البربرية المتناثرة .
تأسيس مدينة القيروان
*لم يكن عقبة بن نافع قائداً عسكرياً محضاً فقط، بل كان صاحب عقلية مبدعة وفكر استراتيجى فذ وهو يصح أن يطلق عليه خبير بشئون المغرب والشمال الأفريقى، ومن خلال حملاته الجهادية المستمرة على الشمال الأفريقى، أدرك أهمية بناء مدينة إسلامية فى هذه البقاع وذلك لعدة أسباب من أهمها :-
1. تثبيت أقدام المسلمين والدعوة الإسلامية هناك وذلك أن عقبة قد لاحظ أمراً هاماً أن أهل الشمال الأفريقى إذا جاءهم المسلمون يظهرون الإسلام وإذا انصرفوا عنهم رجعوا مرة أخرى إلى الكفر، فكان بناء مدينة إسلامية خير علاج لهذه الظاهرة الناجمة عن غياب قاعدة إسلامية ثابتة للإسلام لنشر الهدى والنور وسط ظلمات البربر .
2. ضرورة تكوين قاعدة حربية ثابتة فى مواجهة التهديدات الرومية المتوقعة بعد فتح الشمال الأفريقى .
3. أن تكون هذه المدينة دار عزة ومنعة للمسلمين الفاتحين، ذلك لأنهم تفرقوا فى البلاد كحاميات على المدن المفتوحة، وهذا التفرق قد يورث الضعف والوهن مع مرور الوقت خاصة لو دهم عدو كبير العدد هذه البلاد.
** لهذه الأسباب وغيرها قرر 'عقبة بن نافع' بناء مدينة القيروان فى القرن الشمالى الإفريقية فى مكان تتوافر فيه شروط الأمن الدعوى والحركى للمسلمين بحيث تكون دار عزة ومنعة وقاعدة حربية أمامية فى القتال ومنارة دعوية علمية لنشر الإسلام، وانطبقت كل الشروط المطلوب توافرها فى منطقة أحراش مليئة بالوحوش والحيات، فقال له رجاله [إنك أمرتنا بالبناء فى شعاب وغياض لا ترام، ونحن نخاف من السباع والحيات وغير ذلك من دواب الأرض]، وكان فى عسكره خمسة عشر رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم وقال إنى داع فأمنوا، وبالفعل دعا الله عز وجل طويلاً والصحابة والناس يأمنون،، ثم قال عقبة مخاطباً سكان الوادى [أيتها الحيات والسباع، نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتحلوا عنا فإنا نازلون، ومن وجدناه بعد ذلك قتلناه] فحدثت بعدها كرامة هائلة حيث خرجت السباع من الأحراش تحمل أشبالها والذئب يحمل جروه، والحيات تحمل أولادها، فى مشهد لا يرى مثله فى التاريخ فنادى عقبة فى الناس [كفوا عنهم حتى يرتحلوا عنا] وهكذا يصل الإيمان والثقة بالله عز وجل لهذا المستوى الفائق من اليقين بنصرة الله عز وجل وتأييده ومدده، فهذا هو البطل المجاهد يصل به الإيمان والكرامة لئن يتكلم مع الحيوانات البهائم التى لا تعقل ولا تفهم، فيطيعونه ويسمعون أوامره، وهكذا يصبح الكون كله ومن فيه مسخراً لخدمة المجاهدين وغايتهم السامية.
*استمر بناء مدينة القيروان قرابة الخمس سنوات، حتى أصبحت القيروان درة المغرب وشيد 'عقبة' بها جامعاً كبيراً أصبح منارة العلم وقبلة طلاب العلم والشريعة من كل مكان، وملتقى للدعاة والعلماء والمجاهدين، وأصبح جامع القيروان أول جامعة إسلامية على مستوى العالم وذلك قبل الأزهر بعدة قرون
المجاهد المخلص
*بعدما إنتهى عقبة بن نافع من بناء القيروان ومسجدها الجامع، جاءه الأمر الخليفى بالتنحى عن ولاية إفريقية، وتولية رجل من جنود عقبة اسمه 'أبو المهاجر دينار' وهو رجل مشهور بالكفاءة وحسن القيادة، فما كان رد فعل القائد المظفر الذى فتح معظم الشمال الأفريقى وحقق بطولات فائقة عندما جاءه خبر العزل ؟ هل تمرد ؟ هل امتنع أو حتى تذمر ؟ كلا والله إنهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فلا المناصب تبهرهم ولا الدنيا تفتنهم ولا الأحقاد تعرف إلى قلوبهم طريقاً، إنهم خالصين مخلصين لا يريدون إلا وجه الله عز وجل، امتثل عقبة فوراً للأمر وانتظم فى سلك الجندية .
*استطاع أبو المهاجر القائد الجديد أن يحقق عدة مكاسب إستراتيجية فى الشمال الأفريقى على حساب التواجد الرومى بهذه المناطق، واستطاع أيضاً ا، يستميل زعيم قبائل البربر 'كسيلة بن لمزم' وكان كسيلة شديد التـثير على قومة، قوى الشخصية،محبوباً فى قومه، مطاعاً منهم، وكان نصرانياً متمسكاً بدينه وكان نجاح أبى المهاجر فى إقناعه بالإسلام مكسباً كبيراً للإسلام والمسلمين، ولكن القائد المحنك عقبة صاحب النظرة الثاقبة الخبيرة بطبائع البربر، لم يطمئن لإسلام 'كسيلة' خاصة وأنه قد أسلم بعد وقوعه فى أسر المسلمين وبعدما ذاق حر سيوفهم، وقد صدق هذا الحدس فيما بعد كما سنعلم .
عودة الأسد
*لم يمض كثيراً من الوقت حتى عاد الأسد الضارى عقبة بن نافع إلى قيادة الجهاد ببلاد المغرب وانتقل أبو المهاجر فى صفوف الجنود مجاهداً مخلصاً، وهكذا نرى خير الأمة ينتقل الواحد منهم من الرئاسة إلى عامة الجند بمنتهى اليسر والسهولة، بلا مشاكل أو اعتراض، وبلا أحقاد وأضغان، وذلك لأن الكل يبتغى مرضات الله ولا يريد شيئاً من عرض الدنيا الزائل .
*قرر عقبة بن نافع استئناف مسيرة الفتح الإسلامى من حيث انتهى أبو المهاجر، وكانت مدينة 'طنجة' هى أخر محطات الفتح أيام أبى المهاجر، وهنا أشار أبو المهاجر على عقبة ألا يدخل مدينة طنجة لأن 'كسيلة' زعيم البربر قد أسلم/ ولكن عقبة كان يشك فى نوايا وصحة إسلام كسيلة، فقرر الانطلاق لمواصلة الجهاد مروراً بطنجة وما حولها، خاصة وأن للروم حاميات كثيرة فى المغرب الأوسط .
الإعصار المدمر
*انطلق عقبة وجنوده من مدينة القيروان، لا يقف لهم أحدن ولا يدافعهم أى جيش، فالجميع يفرون من أمامهم، وكلما اجتمع العدو فى مكان، انقض عقبة ورجاله عليهم كالصاعقة المحرقة ففتح مدينة 'باغاية' ثم نزل على مدينة 'تلمسان' وهى من أكبر المدن فى المغرب الأوسط وبها جيش ضخم من الروم وكفار البربر، وهناك دارت معركة شديدة استبسل فيها الروم والبربر فى القتال وكان يوماً عصيباً على المسلمين، حتى أنزل الله عز وجل نصره على المؤمنين، واضطر الأعداء للتراجع حتى منطقة مزاب
*سأل عقبة عن أعظم مدينة فى الزاب فقيل له 'أربة' وهى دار ملكهم وكان حولها ثلاثمائة وستون قرية عامرة، ففتحها عقبة، والروم يفرون من أمامه كالفئران المذعورة، ورحل عقبة بعدها إلى مدينة 'ثاهرت' فأرسلت الحامية الرومية استغاثة لقبائل البربر الوثنية فانضموا إليهم فقام عقبة فى جيشه خطيباً بارعاً بعبارات فائقة تلخص رسالة المجاهد فى سبيل الله فقال [أيها الناس إن أشرفكم وخياركم الذين رضى الله تعالى عنهم وأنزل فيهم كتابه، بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان على قتال من كفر بالله إلى يوم القيامة، وهم أشرفكم والسابقون منكم إلى البيعة، باعوا أنفسهم من رب العالمين بجنته بيعة رابحة، وأنتم اليوم فى دار غربة وإنما بايعتم رب العالمين، وقد نظر إليكم فى مكانكم هذا، ولم تبلغوا هذه البلاد إلا طلباً لرضاة وإعزازاً لدينه، فأبشروا فكلما كثر العدو كان أخزى لهم وأذل إن شاء الله تعالى، وربكم لا يسلمكم فالقوهم بقلوب صادقة، فإن الله عز وجل قد جعل بأسه على القوم المجرمين ] وبهذه الكلمات الموجزة استثار عقبة حمية رجاله، وأعطى درساً بليغاً للأجيال من بعده عن حقيقة دعوة المجاهد .
*التقى المسلمون بأعدائهم وقاتلوهم قتالاً شديداً وكانت نتيجته معروفة بعدما وصلت معنويات المسلمين لقمم الجبال، وانتصر المسلمون كما هى عادتهم، وسار عقبة حتى نزل على 'طنجة' فلقيه أحد قادة الروم واسمه 'جوليان' فخضع لعقبة ودخل له الجزية، فسأله عقبة عن مسألة فتح الأندلس فقال له 'جوليان' أتترك كفار البربر خلفك وترمى بنفسك فى بحبوحة الهلاك مع الفرنج ؟ فقال عقبة وأين كفار البربر ؟ فقال فى بلاد السوس وهم أهل نجدة وبأس فقال عقبة وما دينهم ؟ قال ليس لهم دين فهم على المجوسية .
فتوجه إليهم عقبة كالإعصار الكاسح الذى يدمر كل شىء بإذن الله واخترق هذه البلاد كلها هازماً لكل قبائل البربر حتى وصل بخيله إلى المحيط الأطلنطى فخترق عقبة بفرسه ماء المحيط ثم قال بقلب المؤمن الصادق الغيور الذى بذل واستفرغ كل جهده وحياته لخدمة الإسلام [يا رب لولا هذا البحر لمضيت فى البلاد مجاهداً فى سبيلك، اللهم اشهد إنى قد بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت فى البلاد أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد أحد دونك ]
** وبهذه النفوس الصادقة والقلوب المؤمنة والعزائم الفائقة انتشر الإسلام فى ربوع الأرض
استشهاد البطل
حقق عقبة غايته من حركة الفتح الإسلامى بالشمال الإفريقى، فلقد أخضع قبائل البربر وأوقع بها بأساً شديداً حتى وصل إلى أقصى بلاد المغرب واقتحم المحيط بفرسه، وبعدها قرر عقبة العودة إلى القيروان فلما وصل إلى طنجة أذن لمن معه من الصحابة أن يتفرقوا ويقدموا القيروان أفواجاً ثقة منه بما نال من عدوه، ومال عقبة مع ثلاثمائة من أصحابه إلى مدينة 'تهوذة' فلما رأه الروم فى قلة من أصحابه طمعوا فيه، وأغلقوا باب الصحن وشتموه وهو يدعوهم إلى الإسلامن وعندها أظهر 'كسيلة' مكنون صدره الذى كان منطوياً على الكفر والغدر والحسد، واستغل قلة جند عقبة واتفق مع الروم على الغدر بعقبة وأرسل إلى إخوانه البربر الوثنيين وجمع جموعاً كثيرة للهجوم على عقبة ومن معه
*كان أبو المهاجر فى ركب عقبة ولكن عقبة قد غضب منه فقيدة، فلما رأى أبو مهاجر هجوم كسيلة
ومن معه أنشد أبيات أبى محجن الثقفى المشهورة
كفى حزناً أن ترتدى الخيل بالقنا **** وأترك مشدوداً على وثاقيا
إذا قمت عنانى الحديد وأغلقن ****** مصارع دونى قد تصم المناديا
ففك عقبة وثاقة وقال له [الحق بالقيروان وقم بأمر المسلمين وأنا أغتنم الشهادةي فقال أبو المهاجر [وأنا أيضا أريد الشهادة] وكسر عقبة والمسلمين أجفان سيوفهم واقتتلوا مع البربر حتى استشهد عقبة وكل من معه فى أرض الزاب بتهوذة وذلك سنة 63 هجرية .
*كان عقبة بن نافع رضى الله عنه مثالاً فى العبادة والأخلاق والورع والشجاعة والحزم والعقلية العسكرية ارستراتيجية الفذة، والقدرة الفائقة على القيادة بورع وإيمان وتقوى وتوكل تام على الله عز وجل فأحبه رجاله وأحبه أمراء المؤمنين، وكان مستجاب الدعوة، ميمون النقيبة، مظفر الراية، فلم يهزم فى معركة قط، طبق فى حروبه أحدث الأساليب العسكرية والجديدة فى تكتيكات القتال مثل مبدأ المباغتة وتحشيد القوات وإقامة الحاميات وتأمين خطوط المواصلات واستخدام سلاح الاستطلاع، ونستطيع أن نقول بمنتهى الحيادية أن البطل عقبة بن نافع قد حقق أعمالاً عسكرية باهرة بلغت حد الروعة والكمال وأنجز فى وقت قليل ما لا يصدقه عقل عند دراسته من الناحية العسكرية البحتة، وترك باستشهاده أثراً كبيراً فى نفوس البربر وأصبح من يومها يلقب بسيدى عقبة .